تقف منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن على عتبة مرحلة محورية من التحول الرقمي الهائل. فقد تضاعف معدل تدفق البيانات عبر الحدود التي تربط الشرق الأوسط ببقية دول العالم خلال العقد الماضي بما يتجاوز 150 ضعفًا.
وتشهد عدة دول في المنطقة ارتفاعًا في معدلات اعتماد المستهلكين على الهواتف الذكية، وتصدرت عدة دول من مجلس التعاون الخليجي، لا سيما الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر، القفزة الواسعة التي شهدها قطاع الاستهلاك الرقمي من حيث ارتفاع معدلات الاعتماد على الهواتف الذكية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن على الرغم من ذلك، لم تزل الشركات والحكومات بحاجة إلى مواكبة هذا التطور في شتى المجالات.
ومع ذلك، تتفاوت معدلات التحول الرقمي من دولة إلى أخرى، وتكافح الشركات والحكومات لمواكبة هذا التطور في شتى المجالات. وبناءً على التاريخ العريق للمنطقة في مجال الابتكار، فإن أمامها فرصة لتحويل اقتصادها إلى اقتصاد رقمي رائد وتحقيق فوائد اقتصادية واسعة النطاق إذا تمكنت من توحيد جهود كافة الأطراف المعنية وحشد طاقاتهم للتركيز على تطوير نماذج رائدة من الحوكمة والأعمال والتمويل والمواهب البشرية في المنطقة
تتعدد تعريفات الاقتصاد الرقمي، ومن أهمها:
"الاقتصاد القائم على الإنترنت، أو اقتصاد الويب"، أو "الاقتصاد الذي يتعامل مع المعلومات الرقمية، والعملاء الرقميين، والشركات والمنتجات الرقمية"، ويعتبر أيضًا "التفاعل والتكامل والتنسيق المستمر بين تكنولوجيا المعلومات والاتصال من جهة، وبين الاقتصاد القومي والقطاعي والدولي من جهة أخرى؛ مما يؤدي إلى تحقيق الشفافية في جميع المؤشرات الاقتصادية المساندة للقرارات الاقتصادية والتجارية في الدولة".
ويمكن تعريفه أيضًا على أنه "الاقتصاد المعتمد على تكنولوجيا المعلومات، والتي تعني مراحل تصنيع المعلومات ككل ابتداء من صناعة أجزاء ومكونات الحاسب الآلي المادية، وصولًا إلى صناعة برامج الحاسب الآلي".
أدى التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات إلى تغيرات جوهرية في أنماط الحياة بمختلف مجالاتها، سواء على المستوى الفردي أو الأسري، وعلى مستوى المجتمعات، والإقتصاد والبيئة. حيث أدى بشكل مباشر إلى تغيير في أساليب ووسائل تنفيذ الأنشطة الاقتصادية، وأنتج نوعاً جديداً من الإقتصاد عرف بالإقتصاد الرقمي، وانعكس تأثيره إيجابياً على المجتمع في العموم حيث إن التحول للإقتصاد الرقمي كفيل بتغيير وتحقيق أحداث جديدة تؤثر إيجابياً على المصالح الاقتصادية للدول عامة.
مفهوم ومميزات الاقتصاد الرقمي
هو ذلك النوع من الإقتصاد الذي يقوم في مجمل عملياته على المعلومات، ويستند في أغلب خطواته على استخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات التي ألغت كل الحدود والحواجز أمام تدفق المعلومات والسلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال من وإلى أي نقطة في العالم، وفي أي وقت. يتميز الإقتصاد الرقمي بدخول تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في مختلف الأنشطة الإقتصادية. ويسمح الإقتصاد الرقمي بإرسال واستقبال أي مبلغ من العملات الإلكترونية لحظياً في أي زمان ومكان. كما يوفر الإقتصاد الرقمي ميزة الإفصاح والشفافية والحياد لجميع المعلومات الخاصة بمعاملات العملة الرقمية. ومن مميزات الاقتصاد الرقمي أنها تعتمد على العقول البشرية بشكل رئيسي، أما بقية العناصر الأخرى المتصلة بالمعاش وأسلوب الحياة وغيرها فتعد مساندة أكثر من كونها فاعلة أو محركاً أساسياً.
ويتكون الاقتصاد الرقمي من مكونين أساسيين الأول الإدارة الإلكترونية والثاني التجارة الإلكترونية، ومنهما تتفرع المكونات الفرعية للإقتصاد الرقمي.
ويندرج تحت التجارة الإلكترونية عدة مكونات من أهمها الشراء والبيع الإلكتروني ويقصد به تنفيذ النشاط المسؤول عن شراء أو بيع وتوفير السلع والخدمات باستخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات والوسائط والأساليب الإلكترونية. كما أن التسويق والإعلان الإلكتروني يلعب دوراً مهما في تلك العمليات ويمكن أن تتم عمليات التجارة من خلال وساطة تجارية وبنوك إلكترونية كذلك. وأخيراً يبرز دور المحاسبة والرقابة الإلكترونية في عمليات التجارة لزيادة فعالية الرقابة تعزيزا لمبدأ الإفصاح
أهداف الاقتصاد الرقمي
أهم أهداف الإقتصاد الرقمي يمكن تلخيصها في كلمات مختصرة وهي إزالة الحواجز الجغرافية والزمانية والهيكلية وتحسين التعامل مع قيود التكلفة. مع ملاحظة أن كل هذه الأهداف لا تتم بصورة متسارعة إلا مع تبني الاقتصاد الرقمي والسعي في تطويره، والاهتمام بدقة مؤشراته.
مؤشرات الإقتصاد الرقمي
المؤشرات الواجب اعتمادها من أجل قياس الإقتصاد الرقمي تشمل البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات (ICT Infrastructure) فيجب أن يتم قياس الجانب المادي (المعدات والأدوات) والجانب الرقمي (البرمجيات) للبنية التحتية الخاصة بالإقتصاد الرقمي من حيث توافرها وتغطيتها لجميع المناطق وكذلك مستوى جودة خدمات الانترنت وأسعارها مقارنة بالسوق العالمي. التجارة الإلكترونية (E-commerce) مؤشر مهم كذلك لقياس التجارة الإلكترونية من خلال حجم ونمط المعاملات الإلكترونية بين المؤسسات (B2B)، وبين المؤسسة والمستهلك (B2C) ويجب قياس كمية السلع والخدمات الرقمية وغير الرقمية. من مؤشرات الاقتصاد الرقمي هيكل الشركات والصناعة (Firm and Industry Structure) إذ يجب قياس أثر التحسينات التي تحدث فى تكنولوجيا المعلومات، والبرمجيات والإنترنت على التركيبة الهيكلية للشركات والأسواق من حيث الحاجة إلى دمج أقسام في الشركة أو استحداث أقسام جديدة مثلا كقسم تحليل البيانات. سلوك الأسعار (Price Behavior) يعد أحد مؤشرات الاقتصاد الرقمي فبه يمكن قياس تكييف العوامل التى تؤدي إلى انكماش أسعار السلع والخدمات لكي تعكس مدى التغير في الجودة بسبب تكنولوجيا المعلومات. آخر المؤشرات الرئيسية هو الخصائص الديمغرافية والعمالية (Demographic and Worker Characteristics) فيجب قياس الخصائص الديمغرافية وخصائص سوق العمل للأفراد والعمال التي تشارك في الاقتصاد الرقمي، ومقارنتها مع تلك الخصائص التي لا تشارك فيه
تحديات التأمين الرقمي
أبرز التحديات الرقمية تكمن في الفجوة الرقمية ما بين الواقع والمأمول وفقا لاحتياجات الأفراد والمؤسسات مع مقارنتها بالدول المتقدمة في هذا المجال. كما أن تهديد الخصوصية، والجرائم المعلوماتية تعد أحد التحديات والتي تشترك فيها جميع الأعمال القائمة على تكنولوجيا المعلومات لذلك يجب حماية هذا الاقتصاد الرقمي والمعلوماتي بما يضمن سرية البيانات وسلامتها وتوفرها على مدار الساعة. آخر التحديات هو تنظيم هذا العالم الإفتراضي وبيان أسسه وتشريعاته لتحقيق أهدافه المنشودة مع مواكبة التغيرات المتسارعة التي تشهدها مثل هذه المجالات
ويساهم التحول الرقمي في جعل أسواق التأمين أكثر ابتكاراً للمنتجات مع مضاعفة مواردها المالية من الأقساط، بما يدعم نمو الاقتصاد الوطني ويعزز تنافسيته عالمياً. وانطلاقاً من هذه الحقائق، فإن شركات التأمين مطالبة بالاستثمار في رقمية البيانات والخدمات بما يتلاءم مع احتياجات العملاء والسوق.
ولقد قامت صناعة التأمين في العديد من الدول بتطوير التكنولوجيا لخدمة أعمالها في مجالات عدة، حيث توفر التكنولوجيا كماً هائلاً من التقارير و تحليل نتائج الأعمال والتي تسهم وتساعد بشكل كبير الإدارات المختلفة بشركات التأمين على اتخاذ قراراتها المبنية على أسس حقيقية ودقيقة، بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا في عمليات التسويق والتواصل مع العملاء من خلال توفير قواعد بيانات عن العملاء تمكن الشركة من أن تعرف أكثر عن العميل وعاداته، ورغباته، واحتياجاته، وأن تقدّم له حلولاً تأمينية تناسبه وبالتالي رفع مستوى الولاء والانتماء لدى العميل تجاه الشركات القادرة على فهم احتياجاته ولديهم القدرة على التواصل معه.
ان تطبيق تقنيات التكنولوجيا الرقمية يساوى قيمة أفضل للعملاء، وهدر أقل للموارد، ونمو أكبر للشركة ويتيح تحسين وزيادة كفاءة كل خطوة من سلسلة قيمة التأمين الرقمية، بما في ذلك:
- تطوير أسرع للمنتج حيث يمكن أن نطلق منتجًا جديدًا بمزايا متطورة خلال فترة وجيزة.
- تقييم أفضل للاكتتاب والمخاطر من خلال توفير قواعد بيانات غنية وصحيحة التي تمكّن شركات التأمين من إدارة المخاطر باستمرار.
- إدارة أكثر كفاءة للمطالبات – حيث تستطيع شركات التأمين أن تتخلّص من التكاليف الباهظة من خلال وضع تقارير المطالبات عبر الإنترنت ومعالجة المطالبات أتوماتيكيا بأسلوب أسرع والكشف عن الاحتيال الرقمي، وتقليص النفقات وتحسين الفاعلية.
- زيادة رضا العملاء – لقد أصبح العملاء اليوم أكثر وعيا ولديهم متطلبات تأمينية أكثر تطورا. ويمكن لشركة التأمين اليوم تقديم درجة عالية من التغطيات التى تناسب كل عميل بتكلفة منخفضة.
وعلى المدى الطويل من المتوقع أن يصل حجم أقساط التأمين العالمية في عام 2030 حوالي 7.9 تريليون يورو - أي ضعف حجم الأقساط العالمية في عام 2017 البالغة 4.2 تريليون يورو نتيجة للتطبيقات التكنولوجية الحديثة.
والجدير بالذكر أن الدخل من الأقساط من القنوات الرقمية لشركات التأمين في اوروبا قد تضاعف بين عامي 2012 و2016، من 12 مليار يورو (16.2 مليار دولار) إلى حوالي 25 مليار يورو (33.8 مليار دولار) وهو نمو مذهل بنسبة 110.5 في المائة.
كما يلعب التحول الرقمي دورا هاما في تحقيق الشمول المالى في البلدان النامية والأسواق الناشئة ومن المتوقع أن تشهد هذه الأسواق نموًا كبيرًا مع زيادة في الناتج المحلي الإجمالي قدرها 3.7 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2025 نتيجة لتطبيق الإستراتيجيات التكنولوجية من خلال الهواتف المحمولة لتسهيل النفاذ إلى الحسابات والخدمات المالية والتأمينية. وبالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل من المتوقع أيضا أن يزيد ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 10-12 ٪ من خلال تطبيق التكنولوجيا، وبالنسبة للبلدان متوسطة الدخل مثل البرازيل أو الصين أو المكسيك من المتوقع أن يزيد ناتجها المحلي الإجمالي ما بين 4 إلى 5٪.
لذلك يعتبر التحول الرقمي هو الاستراتيجية التى يجب أن يسعى لها سوق التأمين فى المرحلة المقبلة سواء كانت شركات تأمين أو وسطاء التأمين من أجل خدمة العميل، وتوفير الوقت، وتقديم خدمة أفضل.
وتشير كافة المؤشرات إلى وجود فرص ضخمة فى مجال تكنولوجيا المعلومات لم تستغلها بعد شركات التأمين المصرية والعربية، على الرغم من أن الميكنة الكاملة بشركات التأمين ستأخذ مسارًا إجباريًّا فى المرحلة المقبلة، خاصة مع انحسار التعامل اليدوي للمعلومات والبيانات وازدياد التعامل التكنولوجي من خلال وجود موقع إلكتروني لكل شركة تأمين.
وينبغي على شركات التأمين عدم الخوف من التعامل مع التكنولوجيا الرقمية.. حيث أن التعامل معها سيصبح أمراً حتمياً للحفاظ على بقاء الشركة في مجال العمل.
كما يقع على كبار الوسطاء ايضاً عبء البحث عن وسائل تكنولوجية مبتكرة تلائم احتياجات عملائهم من الأجيال الجديدة.
رأى الاتحاد
لن يقتصر التعامل مع التأمين من الجيل القادم فقط عن طريق الأجهزة المحمولة، بل سيتم تصميم برامج مبتكرة للتامين تعتمد على اجهزة الاستشعار والبرامج المسئولة عن تحديد المواقع. كما سيتم تصميمها أيضاً بحيث تشمل العملاء وتمكنهم من تحقيق أهدافهم الحياتية والعملية بشكل أفضل. وبالتالي سيستلزم الأمر استحداث أنظمة رقمية تلبى متطلبات الجيل التالي من العملاء ومن الحلول التأمينية.
سيتحول العالم إلى الاكتتاب الرقمي بأسرع مما نتوقع، غير أن الانتقال إلى ذلك النوع من الاكتتاب لن يكون بالأمر السهل على الرغم حتميته القصوى. ومن ثم يتطلب الحصول على منتجات ونماذج اعمال جديدة ان يتم تشكيل جيل جديد من المكتتبين ممن لديهم القدرة على معالجة المعلومات في الوقت المطلوب. فالاكتتاب الرقمي يفتح الباب على مصراعيه أمام الابتكارات في مجال مشاركة العملاء ونماذج المنتجات والاعمال. وتعد مصادر البيانات الجديدة والاعتماد على الذكاء الاصطناعي من المتطلبات الرئيسية لهذا الجيل الجديد؛ والذي يجب ان يكون قادراً أيضاً على مزج وتحليل مصادر البيانات المتعددة لتحقيق السرعة والدقة المطلوبة في نموذج التأمين الرقمي.
لقد بدأ سوق التامين المصرى بالفعل فى إتخاذ خطوات فعالة نحو التحول الرقمى فى صناعة التأمين وذلك من خلال التعاون والتنسيق الدائم بين الاتحاد المصرى للتأمين والهيئة العامة للرقابة المالية.. وقد كلل هذا التعاون بصدور عدة قرارات للهيئة العامة للرقابة المالية ومنها قرار رقم (729) لسنة 2016 بشأن الضوابط التكنولوجية وقواعد تأمين المعلومات المرتبطة بإصدار وتوزيع شركات التأمين لبعض وثائق التأمين النمطية الكترونياً من خلال شبكات نظم المعلومات، وقرار رقم (730) لسنة 2016 بشأن الضوابط التنفيذية لوثائق التأمين النمطية الممكن إصدارها وتوزيعها الكترونياً من خلال شبكات نظم المعلومات وفقاً لأخر تعديل وقرار رقم (902) لسنة 2016 بشأن تعريف التأمين متناهي الصغر والضوابط التنفيذية لإصدار وتوزيع وثائقة الكترونياً من خلال شبكة نظم المعلومات وقرار رقم (122) لسنة 2015 بشأن تنظيم إصدار وتوزيع شركات التأمين لبعض وثائق التأمين النمطية إلكترونياً من خلال شبكات نظم المعلومات، ومن خلال تلك القرارات تم السماح بالإصدار الإلكترونى لوثائق التأمين الإجبارى للسيارات وتأمينات الحياة المؤقت، وكذلك تأمينات السفر، والتأمين متناهى الصغر .
وتحقيقاً لما يقوم به الاتحاد من العمل على رفع مستوى صناعة التأمين ووضع آليات تبادل المعلومات والبيانات المتعلقة بصناعة التأمين، يقوم الاتحاد حالياً بإعداد دراسة عن شبكة للربط الالكترونى لشركات التأمين العاملة فى السوق المصرى، وكذلك إعداد دراسة أخرى عن إنشاء بنك للمعلومات لكافة فروع التأمين هذه بالإضافة إلى التطوير المستمر للموقع الالكترونى الخاص بالاتحاد مما يسهل سرعة تداول المعلومات بين كافة شركات التأمين العاملة بالسوق بالمصرى. وقد أسفرت تلك الدراسة عن تدشين قاعدتين للبيانات:
الأولى: تختص بالاستعلام عن حالات صرف التعويضات بالنسبة للتأمين الإجبارى على السيارات.
الثانية: تختص بعمليات التأمين على الحياة الفردية للاستعلام عن التعويضات المرفوضة.
المصادر:
http://www.theresearchpedia.com/research-articles/digital-economy
http://it.toolbox.com/blogs/this-is-it/the-benefits-of-digital-economy-to-the-overall-economic-growth-and-prosperity-in-ireland-77088
https://www.sciencedaily.com/terms/digital_economy.htm
https://www2.deloitte.com/mt/en/pages/technology/articles/mt-what-is-digital-economy.html
https://www.researchgate.net/publication/4935583_The_Digital_Economy_What_is_new_and_what_is_not
|